لا شك في أن كتاب "الفروق" للإمام أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ) يعتبر خلاصة تأملات صاحبه ودراسته العميقة، لعلمي الفقه وأصوله خاصة، كما يعتبر خلاصة مسيرة من سبقه من علماء الأمة الأبرار في نظرهم العميق وبحثهم المجهد في تأسيس هذين العلمين الجليلين، باستنباطهما من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفي تطويرهما واستكمال بنائهما، بالشرح والتوضيح والاستدلال والتعليل، ثم باستخراج الضوابط والقواعد لكل منهما.
حتى جاء الإمام القرافي، فلم يكتف بتدوين حصيلته الدراسية لهذين العلمين في كتبه، وخاصة "التنقيح" و"الذخيرة" اللذين كشفا عن اقتداره العلمي، وتصرفه البارع، وخبرته الدقيقة، شهد له من أجل ذلك علماء عصره ومن جاء بعدهم بالإمامة والتقديم فيهما، بل خطا بهما المرحلة الضرورية التي كانت ناقصة، وهي مرحلة المقابلة بين القواعد في ذاتها، وتحديد الفروق المنطوية عليها، الأمر الذي لم يلتفت إليه السابقون في الغالب، هذا من جانب.
ومن جانب آخر اهتم بإثراء معاني الأحكام، باستخراج حكمها وبيان عللها وتحديد مقاصدها وضبط وسائل هذه المقاصد، مما ساهم في إرساء علم المقاصد وسهل على من جاء بعده استكمال البحث فيه وإتمام تقعيده.
وقد تضمن كتاب "الفروق كل ذلك, إلا أن هذا الكتاب بقدر إعجاب العلماء به وإقبالهم عليه، بقدر ما عد من الكتب التي لا يقدر على الهجوم عليها أو الحوم حولها إلا المبرزون في علوم الشريعة، ومن بلغ درجات عليا من الفهم والمعرفة بحيث يمكنه اقتناص فوائده والوقوف على فرائده والتفطن لنقائصه وعثرات صاحبه.
ومن أجل ذلك قام بعض العلماء ممن عرف قيمة هذا الكتاب، بعمل فيه، قصد به تيسير الرجوع إليه، وتهذيب ما يحتاج فيه إلى تهذيب، والتنبيه على مواطن الخلل منه، و استدراك النقص الذي فيه. وأول من قام بخدمة هذا الكتاب على هذا النحو تلميذه، أبو عبد الله محمد البقوري.
هذا وقد صرح البقوري بنفسه في مقدمة الكتاب بالعمل الذي قام به لخدمة كتاب الفروق. ويتمثل هذا العمل فيما يلي:أولاً: الترتيب: لم يعتن الإمام القرافي في كتابه الفروق بالناحية المنهجية في عرض هذه الفروق. فقد عرضها مبعثرة غير متناسقة في ما بينها، ولا مرتبة حسب موضوعاتها. وقد قام الإمام البقوري بترتيب الفروق على منهج دقيق، ابتدأ فيه من الكليات إلى الجزئيات، جامعاً بين الفروق بحسب وحدة الموضوع.
ثانياً: التلخيص: لم يسترسل البقوري في نقل ما كتبه القرافي، وإنما تصرف في كثير من الأحيان، بحذف بعض الفقرات وبإعادة صياغة الجملة، ولكنه ليس تلخيصاً بالمعنى المخل بمضمون الكتاب. ثالثاً: الاستدراك: وكان ذلك إما بالاعتراض على ما أورده القرافي، وترجيح غير ما رجحه، ويميز ذلك بذكر كلمة: قلت، وإما بإضافة ما يراه جديراً بالذكر مما يتعلق بالفرق.