حياة الرسول محمد (ص)فيها مقاطع هامة كثيرة ومن أميز مقاطعها «عام الوفود» وهو لا يعني سنة مكونة من إثني عشر شهراً إنما يدلّ على مرحلة زمنية إستغرقت خمسة أعوام من العشرة التي قضاها عندما نزح إلى قرية بني قيلة أثرب والتي فيها حقق حلم جدوده.واختيار هذا المقطع
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي سيرة سخية معطاءة، ذلك أن له وجوهاً عديدة، نفحت سيرته عمقاً ووسامة وغنى. وقد مرت السيرة النبوية بمراحل متعددة قام أهل الاختصاص بتناولها إلا أن هناك مرحلة في هذه السيرة لم تحظ باهتمام الدارسين ولكنها حظيت باهتمام مؤلف هذا الكتاب فقام بتناولها سابقاً وهي تلك الفترة التي أطلق عليها "فترة التأسيس"، وهي التي بدأت منذ زواجه من خديجة بنت خويلد إلى أن صدع بالدعوة. وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف أيضاً مقطعاً من أميز مقاطع حياة محمد صلى الله عليه وسلم وهو "عام الوفود" واختياره لهذا المقطع يعود إلى عدة أسباب: أ-أنه يغطي نصف المدة التي قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم في يثرب.
بانه (عام الوفود) انضوى على كنز (بالمعنى الحرفي للكلمة) من المعلومات والمعارف والمعطيات عن الأحوال الجغرافية والاقتصادية والمعرفية والعقائدية لعرب وعربات وأعراب وأعاريب شبه الجزيرة العربية في ذياك الوقت وعن تقاليدهم وأعرافهم ومعتقداتهم.
وعن مستواهم الفكري ورتبتهم الحضارية. ج-مداخلات محمد صلى الله عليه وسلم مع الوفدة، ومداخلاتهم معه أضاءت الكثير من الجوانب مثل موقف الإسلام من الرافضين لها وهل اكتفت بالدعوة اللسانية أم سلكت طريقاً آخر معهم لاعتناقها، وكذا نظرة الدولة القرشية إلى الجزيرة واعتبارها منطقة النفوذ الأولى ولكن ليست النهائية، وعدها نقطة الانطلاق إلى الخارج. و-الوفود كانت، كما يراها المؤلف، سياسية في المقام الأول وليست دينية كما درجت على ذلك الكتابات السابقة... وليست التفرقة ليست شكلية بل تعدية وكيانية. وقد تمثل ذلك في اختيار أفراد الوفد وطريقة توليفه والمحاورات التي تبودلت مع محمد صلى الله عليه وسلم. هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبي حاجات الوفود المتعددة مرة بصفته داعياً لاعتقادية جديدة، وأخرى بوصفه رأس دولة قريش، وثالثة كقائد لجيوشها ما أكد أن كياناً قانونياً حقوقياً مركزياً تخلف بخلاف ما كان سائداً قبل ذلك في أنحاء الجزيرة الأمر الذي يعني بحسم أن الشعور بالقبيلة العشائرية يلزم أن يختفي ويحل محله شعور بالقومية العابرة للعواطف الضيقة والمتخطية العصبية القبلية...
وهذه خطوة بالغة التقدم ونقلة حضارية... ربما لا يدرك الكثيرون مدى أهميتها في تلك الأيام. وإن ذروة عام الوفود التي تجسمت في السنة التاسعة يعدّ رفيقاً لفتح الفتوح، أى فتح مكة، ويرى المؤلف بأن هذا الفتح إنما كان تتويجاً لآثار الوفادة التي بدأت منذ العام الخامس. ومن جانب آخر فإن فتح مكة بدوره طرح الثرة الكبيرة ويعني ذلك فيه الوفود التي تكاثفت في العالم التاسع. أي أن ثمة ما يمكن تسميته علاقة جدلية بين الوفود والفتح: الوفود الأولى (التي بدأت ترد في العام الخامس) هي التي طرحت المحصول المتميز وهو الفتح الأعظم، وهذا بدوره منح المعطى البالغ الخطر وهو ذروة الوفادة وزخمها ورسمها، والاثنان معاً وقد تشابكا واختلطا قدما الآثار الباهرة. وهذا بإيجاز تبيين مكثف لأهمية مقطع (عام الوفود) في السيرة المحمدية وهذا ما دعا المؤلف إلى الالتفات إليه وتناوله بالدراسة الموضوعية في كتابه هذا والذي يأمل أن تكون دراسته هذه مدخلاً لتناول باقي مقاطعها بالشاكلة نفسها وبالطريقة عينها أو ربما أكثر عمقاً.